الاستمرارية: فريضة القلب في زمن التقلّب
في عالم يزداد اضطرابًا، وتكثر فيه الضغوطات النفسية والمخاوف والتحديات، يحتاج الإنسان إلى ما يثبته. ومن أروع ما جاء في القرآن لتثبيتك علي الطريق بالرغم من المشقات، قول الله تعالى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" [الحجر: 99].
هذه الآية ليست فقط دعوة للعبادة، بل هي إعلان لحالة روحية وإنسانية كبرى: الاستمرارية
العبادة لا تتوقف
العبادة ليست فقط في الشعائر. فلو تأملت اجمالي الوقت المستغرق في الصلاة و الذكر و القرآن و السنة و خلافه من العبادات الشعائرية اليومية لوجدته لا يتعدي الساعتين. فماذا عن باقي اليوم و باقي الحياة. العبادة هي حياتك كلها في كل ما تفعله بقصد الله. و لذلك لم يحدد الله وقتًا للعبادة ينتهي عنده الإنسان ويقول: "لقد اكتفيت". بل ربطها بـ"اليقين" — أي الموت، نهاية الطريق. فطالما القلب ينبض، والعقل يعي، والجوارح تعمل، فالمسير إلى الله لا يتوقف.
هذه الاستمرارية لا تعني فقط الصلوات والصيام، بل تشمل العمل، والطلب، والاجتهاد، والتعلّم، وتحمّل المسؤولية، والتزكية، وحتى الصبر على الأذى والمحن. كل هذا عبادة.
الاستمرارية رغم التعب
كلنا نمرّ بأيام يثقل فيها الصدر، وتضعف فيها النفس، وتختلط فيها المشاعر بالخوف، والقلق، والضغط النفسي، وربما الاكتئاب أو التيه. في هذه اللحظات بالذات، تأتي هذه الآية كنبض حياة. كأنها تقول لك: "كمّل، كمل الطريق. حتى لو بتزحف، بس كمّل".
النجاح مش في الكمال، ولا في عدم السقوط، بل في إنك ترجع بعد السقوط، وتقوم كل مرة من جديد. أن تستمر.
في كل جانب من حياتك
هذه القيمة الإسلامية لا تقتصر على الجانب الروحي. المسلم مدعوّ للاستمرارية في كل شيء
- في تعلّمه: حتى لو لم يفهم بسرعة.
- في عمله: حتى لو لم يحصد نتائج فورية.
- في علاقاته: حتى مع الصبر والتحديات.
- في إصلاح نفسه: حتى لو عاود الخطأ مرارًا.
الختام: كن سائرًا لا متوقفًا
ليس المطلوب أن تصل في يوم، بل أن تواصل كل يوم. هذه هي الروح التي تبثها الآية: أن تظل عبدًا لله، سائرًا إليه، مهما انهدمت جوانب حياتك، ومهما اشتدّ التعب.
فقط، لا تتوقف
كمل بالرغم من كل ما هو بك. و كل ما تتعب ذكر نفسك و قل: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"